كوستاريكا بين الوقاية والملاحقة.. كيف تُواجَه العبودية والاتجار بالبشر؟

كوستاريكا بين الوقاية والملاحقة.. كيف تُواجَه العبودية والاتجار بالبشر؟
العبودية الحديثة والاتجار بالبشر - تعبيرية

تواجه كوستاريكا، مثل دول أخرى في أمريكا الوسطى، تحديات معقدة على صعيد مكافحة الاتجار بالبشر والعبودية الحديثة، تشمل أشكالاً متعددة من الاستغلال الجنسي والعمل القسري واستغلال المهاجرين الذين يقطعون مسارات خطرة عبر أميركا اللاتينية، وتبرز الدولة برفعها وتيرة جهودها التشريعية والعملياتية خلال السنوات الأخيرة، لكن الفجوات في الاكتشاف والمحاكمة والدعم للضحايا لا تزال قائمة وفق شبكة "miragenews".

أسباب متشابكة تدفع إلى التعريض بالاستغلال

تتقاطع أسباب تعرض أشخاص للاتجار مع عوامل اقتصادية واجتماعية وقانونية بحسب موقع "Walk Free" من بينها هشاشة سبل العيش، عوامل التهميش للفئات الأصلية والمهاجرين والنساء، مسارات هجرة غير نظامية تتضمن عبور غابات درين الغارقة بالمخاطر، ووجود شبكات إجرامية تستغل الفجوات التنظيمية، كما تضع الأسعار المرتفعة والطلب على خدمات رخيصة ومشروعات مؤقتة ضغطاً على سوق العمل غير الرسمي، ما يجعل الفئات الضعيفة أهدافاً سهلة للاستغلال.

حجم وآثار المشكلة: مؤشرات وحدود البيانات

تقديرات مؤسسات عالمية تشير إلى وجود أعداد ملموسة تتعرض لشكل من أشكال العبودية الحديثة في كوستاريكا، فمؤشر الرق العالمي قدّر في أحدث تقاريره أن نحو 3.2 شخص من كل ألفٍ عاشوا حالة من العبودية الحديثة في عام 2021، ما يعادل نحو 16 ألف شخص في ذلك العام داخل البلاد، وفي المقابل، سجّلت السلطات حملات أمنية كبرى أدت إلى توقيف مشتبه بهم في شبكات إجرامية مرتبطة بتهريب واستغلال المهاجرين، ما يعكس كون كوستاريكا مرحلة في مسارات إقليمية كبرى، لكن لا تزال بيانات الاكتشاف والمحاكمات والضحايا المبلّغ عنهم متباينة ومقيدة بنقصات منهجية في التبليغ والإحصاء. 

الإطار القانوني وجهود التشريع والتنفيذ

استجابت كوستاريكا بتشريعات وتعديلات تهدف إلى تجريم الاتجار وتحديث الأدوات القانونية، بما في ذلك إصلاحات لقانون مكافحة الاتجار وتعريفات جنائية أدخلت في السنوات الأخيرة، إلى جانب إنشاء آليات للتنسيق الوطني بين الأجهزة الأمنية والقضائية والإدارات الاجتماعية، كما نفّذت برامج مشتركة مع وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية لتعزيز القدرات على التعرف على الضحايا وتقديم خدمات عاجلة وحماية الشهود. ومع ذلك، تراجع أحياناً عدد قضايا التحقيق أو ضعف تحويلها إلى إدانات موثوقة، ما يستلزم رفع قدرات جمع الأدلة وحماية الضحايا أثناء المسار القضائي. 

استجابة المجتمع المدني والمنظمات الدولية

لعبت منظمات غير حكومية محلية وشبكات مدنية دوراً محورياً في الكشف عن حالات الاستغلال ودعم الضحايا وإعداد برامج الوقاية والتأهيل بدعم مشترك من هيئات أممية مثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومنظمة الهجرة الدولية، إذ نفذت برامج تدريب للسلطات ومواد توعوية ومبادرات لتعزيز آليات الإحالة بين الجهات ذات الصلة، كما أعلنت بعثات دبلوماسية دولية عن تمويل دعم لمشروعات إحلال الوقاية والحماية، بما في ذلك مبادرات قصيرة الأجل تهدف إلى سد فجوات خدماتية محددة. 

ورحبت الأمم المتحدة بخطوات كوستاريكا للقضاء على أشكال الرق المعاصرة، لكنها حثت الحكومة والشركات على بذل المزيد من الجهد لضمان عدم استغلال الفئات المهمشة.

ودعا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال الرق المعاصرة، تومويا أوبوكاتا، خلال زيارة استغرقت إلى البلاد، السلطات إلى تنفيذ القوانين واللوائح والسياسات القائمة بشكل أكثر فعالية لمنع ومعالجة الاستغلال في العمل والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر.

ورحب "أوبوكاتا" بالأطر المؤسسية والقانونية القوية لكوستاريكا لمنع الاتجار بالأشخاص، وكذلك الاستغلال في العمل أو الاستغلال الجنسي، كما أشاد بمبادرات مثل (بيوت الفرح) ونظام تتبع العمالة المهاجرة (SITLAM) ومدونة قواعد السلوك لمنع الاستغلال الجنسي التجاري، والتزام الحكومة وأرباب العمل بمعالجة هذه الممارسات.

ردود المنظمات الحقوقية والتوصيات الدولية

دعّمت تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية تقييم الحاجة إلى مقاربة شاملة تجمع بين الوقاية والملاحقة والحماية وإعادة الإدماج، وتوصي هذه الجهات بسن سياسات متخصصة لحماية النساء والأطفال والمهاجرين، وجمع بيانات مصنفة، وإنشاء خطوط إبلاغ آمنة، وبرامج اقتصادية بديلة للناجين، كما دعت تقارير دولية إلى تعزيز التعاون عبر الحدود لمكافحة الشبكات العابرة للحدود وملاحقة المتورطين مالياً وتشغيلياً. 

الفجوات العملية

رغم التقدم التشريعي في كوستاريكا، تبقى الفجوات الواضحة في إجراءات الاكتشاف والحماية؛ حيث ضعف موارد وحدات التحقيق المتخصصة، ونقص خدمات الاستقبال والرعاية النفسية والطبية على المدى الطويل، والاستسلام البيروقراطي أحياناً أمام ضغوط الترحيل للمهاجرين الذين هم في حاجة إلى حماية، كما أن قياس المؤشرات الوطنية عن الضحايا والمحاكمات لا يزال يتطلب منهجية موحّدة تتيح تقييم الأثر الفعلي للسياسات. 

تداعيات حقوقية واقتصادية واجتماعية

الاتجار والعبودية الحديثة يتركان آثاراً متعددة، منها انتهاك كرامة الضحايا وحقوقهم الأساسية، وخلق سوق عمل موازٍ قائم على الاستغلال يقوّض الأجور والظروف، وإضعاف ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة إن لم تؤتِ جهود المساءلة أُكلها، كما أن استمرار الفساد أو التواطؤ أو التقصير الإداري يزيد تكلفة معالجة الظاهرة ويعرقل جهود التنمية.

جذور المشكلة

تتداخل جذور المشكلة مع أنماط الهجرة والطلب على خدمات عمل رخيصة، ومع ضعف الحماية الاجتماعية التي تجعل الأسر والنازحين عرضة للتجنيد في أنشطة استغلالية، وكرر خبراء وسياسات دولية تأكيد فعالية حزم متكاملة تربط بين مكافحة الفساد، وتعزيز سبل العيش المستدامة، وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية، وتحسين التعاون القضائي الإقليمي، كما تحظى المبادرات التي تجمع بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني والمانحين باهتمام دولي سبيلاً لملء ثغرات التنفيذ. 

وبحسب “شبكة ”costarica.iom.int" فإن خطاب مكافحة الاتجار بالبشر في كوستاريكا اليوم هو مزيج من إنجازات تشريعيةٍ وتحركات عمليةٍ جدية، إلى جانب تحديات تنفيذية واضحة تتطلب استدامة تمويل الخدمات، وتقوية آليات العدالة والحماية، وتطوير بيانات أفضل تُمكّن من قياس التقدّم، وتبنّي نهجاً شمولياً يربط الوقاية والحماية والمساءلة عبر شراكة بين الدولة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين يظلّ السبيل الأقرب لخفض مخاطر الاستغلال واستعادة الحقوق لأولئك الذين تضرروا من هذا الانتهاك الإنساني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية